المعرفة التاريخية - مجزوءة الوضع البشري

المحور الثاني : العقلانية العلمية

طرح الإشكال

   ما هي طبيعة العقلانية العلمية؟ هل هي عقلانية منغلقة على ذاتها أم منفتحة أنماط جديدة من التفكير العلمي ؟ ما هو أساس العقلانية العلمية؟ هل هو أساس حسي تجريبي أم هو أساس عقلي حدسي؟ هل العقلانية العلمية أساسها الفكر أم الواقع أم هما معا؟

 

1- هانز رايشنباخ: ارتباط العقلانية العلمية بالملاحظة التجريبية

       لقد ظهرت العقلانية العلمية نتيجة دمج العقل والتجربة خلال المرحلة المعاصرة التي شهدت عجزا كبيرا في دراسة بعض الظواهر الميكروفزيائية  التي لا يمكن ملاحظتها بالعين المجردة، لكن مع ذلك بقيت مجموعة من التصورات متشبثة بالمنهج التجريبي والملاحظة التجريبية كعنصر رئيسي لبناء الحقيقة العلمية، في هذا السياق يمكن استحضار تصور هانز رايشنباخ الذي استبعد الأنساق الرياضية بوصفها أنساقا عقلانية تجد أساسها في الفلسفة المثالية الأفلاطونية والعقلانية الديكارتية، إذ اعتبر أن الرياضيات أقرب إلى التصوف منه إلى العلم ما دامت تعبر عن نفسها برموز صورية خيالية ومجردة. لذلك فإن العقلانية العلمية حسب رايشنباخ  تقوم على الأنساق التجريبية وليس على الأنساق العقلية.

 

2- ألبير انشتاين: انفتاح العقلانية العلمية على الخيال والأنساق الفكرية

   في مقابل التصور السابق الذي ظل وفيا للتجربة الحسية ومنغلق عليها باعتبارها أساس بناء النظريات العلمية نجد موقفا معاصرا أكثر انفتاحا يأخذ بعين الاعتبار العقل والأنساق الرياضية كمبدأ خلاق في المعرفة العلمية التي تتطور بفعل تدخل العقل. وهذا ما أكده ألبير انشتاين حينما أعطى الأهمية للنظرية على التجربة وصاغ فزياء جديدة هي الفيزياء النظرية على غرار الفيزياء التجريبية التي كانت سائدة في عصر غاليلو وإسحاق نيوتن ،بحيث اعتبر اينشتاين بأن النسق الرياضي تابث ولا يتغير، بينما يمكن تعديل التجربة بشكل يلائم النسق الرياضي.

 

خلاصة تركيبية

    يبدو من خلال ماسبق أن إشكالية العقلانية العلمية إشكالية معرفية وإبستيمولوجية وفلسفية بامتياز تتجلى من خلال تضارب التصورات حولها. فهناك من ربطها بالتجريب الحسي وهو تصور منغلق ومتشبع بروح المذهب التجريبي وهناك من ربط العقلانية العلمية بالأنساق الرياضية المجردة وهو تصور منفتح على العقل والخيال.