المحور الثاني : معرفة الغير .
تمهيد إشكالي .
يتعلق هذا المحور بدراسة مفهوم الغير من زاوية إشارة إشكالية إمكانية
معرفته وإدراكه . فإذا كانت المعرفة
بمفهومها التقليدي تقتضي توفر مجموعة من الشروط وهي الذات العارفة , وموضوع المعرفة , ومنهج
المعرفة .
فإلى أي حد يمكن
النظر للغير كموضوع للمعرفة ؟ وهل معرفة الغير ممكنة أم مستحيلة ؟ فإذا كانت ممكنة
فما هي وسائلها وشروطها ؟ وإذا كانت مستحيلة فما هي عوائقها و موانعها ؟
1- نيكولا
مالبرانش : معرفة الغير معرفة غير يقينية .
يؤكد الفيلسوف مال
برانش في إطار مقاربته لإشكالية معرفة الغير على أن معرفة الغير غير يقينية ومطلقة
. بل هي مجرد معرفة قائمة على التخمين و الافتراض . فلا يجب أن نماثل بين الذات و
الغير وأن نحكم على تجارب الغير من خلال تجاربنا الخاصة . لذلك لا يمكن للذات أن
تدرك أعماق الغير و أن تحدده في خصوصيته (جوهره) , و من ثم فمعرفتها به تبقى معرفة
غير يقينية , أي معرفة تخمينية ونسبية تعبر على إنفعالات الفرد فقط .
2- موريس
ميرلوبونتي : معرفة الغير ممكنة من خلال التواصل معه .
إذا كانت معرفة الغير حسب مالبرانش تعترضها مجموعة من
الصعوبات تتمثل أساسا في عدم قدرة العقل البشري وبشكل موضوعي على النفاد إلى أعماق
النفس البشرية و الدخول إلى أسرارها العاطفية من أحاسيس و مشاعر فتبقى معرفة الغير
على هذا النحو عرضة لمجموعة من الأخطاء الناتجة عن الأحكام المسبقة , فإن هناك بعض
الفلسفات (الفينومينولوجيا phénominologe ) على وجه التحديد , تقر بأن معرفة الغير ممكنة عن طريق التواصل
مع الغير كتجربة أولية معيشية تقربنا أكثر إلى ما يحس به الغير من فرح وحزن . لكن
التعاطف مع الغير –الوجود المشترك- وحده كفيل بمعرفة الغير معرفة صحيحة , وذلك عبر
قراءة جسد الغير . لأن الجسد يعبر كما يعبر اللسان إنه يعلن عن ما يخفيه الغير .
خلاصة تركيبية .
نستنتج من
خلال ما سبق أن معرفة الغير ممكنة ماديا و نفسيا , لكن هناك صعوبات تعترض كل هذه
الدراسات العلمية (الطبية مثلا) في فهم الإنسان وإدراكه إدراكا موضوعيا كما تدرك الأشياء
. كما هناك صعوبات تعترض البحث الفلسفي في فهم و إدراك أعماق النفس الإنسانية لذلك
يتجه هذا البحث إلى ما هو وجداني وأخلاقي كالتواصل و التعاطف والتعاون و التشارك.