JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

الفهم و التفسير - مجزوءة المعرفة .

الفهم و التفسير - مجزوءة المعرفة .






المحور الثاني: الفهم و التفسير


الموقف القائل بإمكانية تفسير الظاهرة الإنسانية:

في العلوم الإنسانية، يشير التفسير إلى الكشف الموضوعي عن العلاقات السببية الثابتة التي تتحكم في ظاهرة إنسانية معينة، سواء كانت تاريخية، اجتماعية، أو سيكولوجية، ويرى بعض علماء الإنسان أن تفسير الظواهر الإنسانية ممكن وليس مستحيلاً. من بين هؤلاء العلماء، على سبيل المثال، يأتي الفرنسيون أوغست كونت وإميل دوركايم، اللذين قاربا الظواهر الاجتماعية بطريقة مشابهة للظواهر الطبيعية. وبهذا يؤكدون أنه مثلما يمكننا تفسير الظواهر الطبيعية، مثل سقوط الأجسام، عبر كشف الأسباب الثابتة التي تحكم حدوثها والتنبؤ بها، فإن الظواهر الاجتماعية، مثل الانتحار، يمكن أيضًا تفسيرها بنفس الطريقة من خلال كشف الأسباب الثابتة التي تؤدي إلى وقوعها والتنبؤ بها.
لتوضيح هذا الموقف، يمكن النظر إلى دراسة إميل دوركايم لظاهرة الانتحار. فقد كشف دوركايم عن القانون المتحكم في هذه الظاهرة من خلال الإحصاء، وهو التماسك الاجتماعي. وفي هذا السياق، كلما ضعف التماسك الاجتماعي، زادت نسبة الانتحار، كما أن البيئة الاجتماعية المستقرة تقلل من حدوث الانتحار بسبب وجود التماسك والتضامن. وحتى في الحالات التي يكون فيها التماسك الاجتماعي قويًا، قد يحدث الانتحار، كما في حالات فقدان الأحباء.
كما أن الفعل الإنساني لا يحدث إلا بعد توفر الشروط الموضوعية اللازمة، تمامًا كما يحدث مطرًا بعد توفر الشروط الموضوعية له. وهذا يؤكد على إمكانية دراسة الظواهر الإنسانية بشكل تفسيري.
ومع ذلك، يثير السؤال عما إذا كان اعتماد المنهج التفسيري قد يؤدي إلى تقليل خصوصيات الظواهر الإنسانية وتقليل فعالية الباحث في العلوم الإنسانية.

الموقف القائل بضرورة اعتماد الفهم بدل التفسير في دراسة الظاهرة الإنسانية.

قلة من علماء الإنسان يستقبلون فكرة تفسير الظواهر الإنسانية بإيجابية، ومن بين الجماعات التي تؤيدها، يعتبر الفيلسوف الألماني فلهلم ديلتاي (1833-1911م) واحدًا منهم. فقد أقام ديلتاي تمييزًا بين علوم الطبيعة وعلوم الروح على أساس الموضوع، حيث يتناول الأولى الطبيعة الخارجية المستقلة، بينما تركز الثانية على الحياة الإنسانية الداخلية. ويعتقد ديلتاي أن اختلاف الموضوع يستدعي اختلافًا في المنهج. يقول ديلتاي: "نفسر الطبيعة، ونفهم الظواهر الإنسانية". وهكذا، بينما يمكن دراسة الظواهر الطبيعية بطريقة تفسيرية، يجب أن تتبع الظواهر الإنسانية منهج الفهم والتأويل.

المنهج التفهمي التأويلي يعتمد على فهم المقاصد والنوايا والغايات التي ترافق الأفعال، والتي يحددها القيم التي توجهها، ويتم فهم هذه الدلالات من خلال التأويل. في هذه العملية، يلعب الباحث دورًا قويًا، حيث يجمع بين الفهم والتأويل كذات عارفة ومتعاطفة ومتوحدة ومشاركة ومتفهمة لموضوعها.

ومع ذلك، يثير السؤال ما إذا كان المنهج التفهمي قد يؤدي إلى طغيان الباحث على الظاهرة المدروسة، مما يصعب التمييز بين دلالات الذات الباحثة والحفاظ على مبدأ الحياد القيمي والموضوعية العلمية.



الاسمبريد إلكترونيرسالة